حقيقةً … لم يزل عقلي غير متقبل للفكرة , ربما لأنها في هذه المرة على مقربة مني , وقد أصابت شخصا عزيزا عليّ , جمعني به العمل وفقط , وهذا المقال ليس مكانا للحديث عن طيب عشرته , وحسن خلقه.
لكني حقيقة لا أتصور كيف لمسلم يتبع دين النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – يُقبل – وهو يمني نفسه بالجنة – ليفجر مكاناً للعبادة! أنا لا أتحدث عن المسجد بالخصوص , وإنما أتحدث عن دور العبادة عامة , تلك التي نهى عن هدمها -صلى الله عليه وسلم – في حالة الحرب! تخيل انك في حالة حرب مع عدو , ويمنع عليك قائدك الأعلى أشياء كثيرة من أهمها ألا تهدم داراً للعبادة لقوم تعتقد أنهم كافرون وتؤمن بذلك , لكن ليس لك أن تهدمها … تخيل! , اذا لم تصدقني فاسمع هذه الوصايا التي يُوصي بها خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قائد جيشه -أسامة- الخارج للغزو “لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم “
ولم يأت الخليفة أبوبكر الصديق بهذا من عند نفسه , بل هذا ما تعلمه في مدرسة النبوة حين سمع الرسول الأرحم – صلى الله عليه وسلم – يقول “عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال ( كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا و لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا )” رواه مسلم . بطبيعة الحال والوقت والقضية الراهنة ؛ فلا أستطيع أن أدرج ها هنا كل ما أوصى به نبي الرحمة لجيشه حين الغزو تجاه غير المحارب والمرأة والصبي والرجل الكبير والنُسّاك والعبّاد والرهبان والجماد والشجر والمباني ووو …. لكن هذا يُفرد له حديث آخر.
تخيل تلك الوصايا لجيش يقاتل عدواً من غير أصحاب الملة الواحدة!! , فما بالك بمن قال لا إله إلا الله , محمد رسول الله ولو أخفى شيئا آخراً! , وما بالك بمن قام للصلاة وهو صائم حتى لو اختلفت صلاته وصيامه عنك!! , وما بالك بمسجد ولو كان مسجدا ضرارا! أيها المسلمون , لقد انتشر الإسلام وعمّ الأرض من الصين لاسبانيا , وما استخدم السلاح إلا لمن منع دعوة الله , وبادءنا العداء , ولقد جاء الإسلام والبشرية تأكل بعضها بعضاً في غابة , فألف القلوب , وآخى بين المتخاصمين , وسوى نزاع المتنازعين , واختار لنا الاعتصام – جميعاً بحبل الله- وأقرّ قاعدة جديدة للبشرية : أن نكون مختلفين , وأن نتقبل ذلك وأن نتعايش عليه , في نفس ذات الوقت الذي نرد فيه كيد الكائدين وندافع عن بيضة الدين , ونحمي حمانا وحمى من استجار بنا فأجرناه أو أعطيناه الأمان!
تلك المعادلة الصعبة التي استطاع المسلمون الأوائل تحقيقها , وعجزنا نحن حتى عن تحقيق بعض منها!